top of page

تحية لنومورا …

نومورا هذا ليس بإنسان  قام بعملٍ جليل استحق الشكر والتقدير،وعلى الرغم من أنه فعل أكثر من ذلك،إلا إنه اسم صندوق الصداقة البحرينية اليابانية،وصندوق نومورا هذا ليس بالغريب عنا في موضوع التعاون الثقافي،فقد سبق وأن كان الممول الرئيسي لإحدى مهرجانات يوم الموسيقى العالمي، وهو المهرجان السادس ليوم الموسيقى العالمي عام 1997.

 

  في مساء السبت الموافق الرابع عشر من مارس الجاري، قدم لنا صندوق نومورا هديةً قيمةً أخرى و كانت أيضاً موسيقية،حيث كنا على موعد مع الحفل الموسيقي الراقي من جميع النواحي الإعداد والترتيب و الأهم البراعة والتمكن في الأداء من قبل العازفتين .

   لقد تميز هذا الحفل بعدة أمور نحن نفتقدها على الدوام، لدرجة أن توافرها في هذا الحفل جعل من وجودها شيئا غريباً وغير طبيعي وكأنه الشيء الطبيعي هو عدم توافرها..؟!

          بداية كانت استعداداتي مبكرة لحضور الحفل( كالمعتاد )،إلا إن العادات والتقاليد المتأصلة بداخلنا حالت دون ذلك لذلك ذهبت متأخراً عن موعد بداية الحفل الساعة الثامنة مساء بدقائق معدودة ، و لقد كنت متيقناً من أنني ساكون ضمن الحاضرين الأوائل ،  حيث كنت أردد في ذهني و كلي يقين في ذلك : "لن تبدأ الحفلة على أقل تقدير إلا في الساعة الثامنة والربع "  ، و لكن حدسي هذا ذهب مع الريح عندما دخلت إلى بهو القاعة فلم أجد حشد الجمهور المتوقع والمعتاد في مثل هذه الحفلات ، حتى أني وشككت في كوني دخلت القاعة الخطأ ، فلم يكن هناك سوى مجموعة من الأشخاص يقفون خلف بعض الطاولات ، فتجاسرت لأسأل أحدهم فيما إذا كان هذا هو مكان الحفل الموسيقي ، فأجابني تفضل : تنفست الصعداء .. وعندما دخلت القاعة كانت شبه ممتلئة و الحضور في صمت منتبهين لإحدى السادة من صندوق نومورا يلقي بكلمته الترحيبية  وبعد ان عثرت على كرسي يأويني ، انتبهت للمتحدث الذي كان يلقي خطبته باللغة العربية فإذا به ياباني الملامح .

  لوهلة  بدأت أتنفس بعمق وكأني جريت مسافة طويلة أو لكأن أحدهم كان يلاحقني وما زاد من دهشتي لهذا الوضع،التساؤل الذي يراودني :"هل هذا معقول الحفل يبدأ في وقته المحدد هنا ..؟"

  أحيتا الحفل عازفتان يابانيتان على مستوى عال من البراعة والتميز والمهارة في العزف  حيث كانت على آلة الكمان  أتسوكو تيما (Atsuko Temma)، تصاحبها على آلة البيانو ما ساكو يوشيتاكي

( Masako Yoshitake )وكان البرنامج على درجة من التنوع جمع بين العصور الموسيقية المختلفة  من مرحلة الباروك  مروراً بالمرحلة بالمرحلةالكلاسيكية  وصولاً للمرحلة الرومانتيكية  . ففي حين قدمتا سوناتا رقم 5  للكمان و البيانو في مقام فا الكبير  والمسماة الربيع لبتهوفن ، و يلاحظ هنا وجود سهو في طباعة البرنامج حيث لم يتم التنويه لنوع الحركات وطبيعتها ، كما هو معتاد .

وكانت هذه السوناتا فاتحة جيدة للجمهور  الذي انشد بشكلٍ كبير للأداء والبراعة من قبل عازفة الكمان، و لكن هذا الأمر لم يتواصل مع العمل التالي و هو ( بارتيتا ) رقم 2 في مقام ري الصغير  للكمان المنفرد  لباخ، ولم يكن السبب بكل تأكيد قصور في أداء العازفة، فقد أبدعت كثيراً في أداء الفقرات التي تتطلب مهارة فائقة، ولربما يعود سبب تململ بعض الجمهور من هذه(البارتيتا) لطبيعة هذا النوع من الأعمال، فعدم وجود الإيقاع البارز الذي يدعمه البيانو في الغالب تسبب في ذلك،والبارتيتا هذه تشبه إلى حد ما المتتابعات(Suite)، وهي التي ظهرت  في عصر الباروك ولقد كتب منها باخ ثلاث لآلة الكمان . 

  بعد الاستراحة كانت غالبية المقطوعات لمؤلفين من المرحلة الرومانتيكية،والتي تميزت بقصرها الزمني و بالطبع عذوبتها،ومن بين أجمل الأعمال كان ذلك الذي كتبه المؤلف الفرنسي صان صانس (Charles-Camille Saint-Saëns) ، مقدمة و روندو كابريش (Introduction & Rondo Capriccioso) ، وهذا العمل  كان مكتوباً في الأساس للكمان والأوركسترا ولكنه هنا في نسخة من إعداد خاص للكمان والبيانو، ويتميز هذا العمل بالإضافة إلى جمال وعذوبة الألحان التي يبرع  فيها  صان صانس،إلى فقرات تتطلب مهارات خاصة للعازف كي يتقنها ولقد قامت بهذا الدور على أكمل وجه العازفة أستوكو .

 بعد انتهاء فقرات البرنامج قدم الجمهور لهم تحية خاصة وذلك من خلال التحية المتواصلة من التصفيق الحاروالتي تعني في عالم الحفلات الموسيقية برغبة الجمهور في المزيد من العازفين ، ولم تخذلا  الجمهور فقدمتا مقطوعتين إحداهما للنرويجي ديفوجاك التشيكي (Antonín Leopold Dvořák )والأخرى للألماني لبرامز(Johannes Brahms )، و لكن أي من العازفتين لم تشيرا لهذا الأمر الذي هو محبذ ومعتاد في عالم الحفلات  .

  المفاجئة الكبيرة التي قد لا يصدقها القارئ  وأنا أتحدث عن هذا الجو الذي أقرب ما يكون إلى حلم جميل، هو أن طاقم تصوير تلفزيوني من تلفزيون البحرين كان متواجداً بالقاعة،و لكنهم لم يتسببوا بأي نوع من الإزعاج و كأنهم ليسوا متواجدين كما هو الحال في الحفلات السابقة في سابقة نادرة جداً ..!

 

بعد كل هذا ألا يستحق صندوق نومورا شكراً و تقديراً لهذا الحفل المتميز الذي استطاع أن يثبت لنا أن الكثير من الأمور الغير ملائمة و التي اعتدنا عليها في حفلاتنا الموسيقية  ، يمكننا تجاوزها  لو أستوعبناها .

 

الخميس، 23 مارس، 2000

bottom of page