top of page

الحركة الموسيقية ..

 

قبل فترة وجيزة تطرق الصحفي أحمد جمعة  في زاويته صباح الثقافة بصفحة رؤى  لموضوع أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه استفزازي ،وذلك كونه  يتحدى من يقول أن هنالك حركة ثقافية و فنية بمجملها في الوقت الحاضر في البحرين، و كان حسبي أن هذا الموضوع سيدفع البعض من الفنانين ممن شملتهم قائمته للدفاع عن وضعهم، و لكن و كما يبدو فإن تحديه جاء في مكانه فمرت حتى الآن أسابيع و لم أرى أي ردت فعل تذكر على الأقل في صحيفة الأيام، و لست متيقناً ما هو السبب وراء ذلك ، هل الإحباط الذي أصاب الكثيرين ؟ و شلهم لدرجة أن موضوع كهذا لم يعد كافي لاستثارتهم  أو أنهم تيقنوا أنهم حتى لو تفاعلوا مع هذا الموضوع و أبدوا أي ردة فعل  سوف لن يغير من الواقع شيء، بين كل هذه التساؤلات و بعد كل هذه الفترة أعترف بأن الموضوع أاستفزني لدرجة انه ظل يراود خيالي كل صباح، و ذلك لأن من ضمن التخصصات التي تعرض لها العمود هو الحركة الموسيقية ، وأنا كموسيقي بحريني  يهمني أن تكون هنالك حركة موسيقية نشطة و فعالة بشكل واضح ،من هذا المنطلق أصغت ردت فعلي عبر هذا السطور التالية .

 

   قد أتفق مع أحمد جمعة في أنه بالفعل  و في هذه الفترة بالذات لا توجد حركة موسيقية تذكر و لكن هلا تسائلنا ما هي الأسباب وراء ذلك ؟ 

 

  أن أي حركة فنية في أي بلد  ومن ضمنها الحركة الموسيقية  تحتاج لعدة مقومات أساسية كي تظهر بالشكل المطلوب، في إعتقادي إن الحركة الموسيقية تتطلب المقومات التالية :

  العنصر البشري : وهو الأهم بالدرجة الأولى فلن تقوم أي حركة فنية في أي بلد طالما أنه لا يوجد من بين سكانها من هم مهتمون بهذا الجانب الفني، و البحرين تمتلك كماً  لا بأس به من الموسيقيين ذوي المهارات العالية، غالبتهم من الهواة و القلة من المتخصصين و لا أعتقد أنه يوجد  لدينا من يمكننا أن نطلق عليه محترف .

 

 البيئة الفنية : و هذه البيئة تشتمل على عدة عناصر و هي المكان المناسب و الزمان المناسب و  الرعاية و الاهتمام بالموسيقى و الموسيقيين .  

 

  المكان الذي يحتاجه الموسيقيون لا يتمثل في قاعة عرض فحسب، التي هي غير متوفرة بالأساس و لقد تطرقت لذلك في موضوع سابق تحت أسم ( مكان آمن للموسيقى –  نشر في جريدة ألأيام العدد -5279 )، فهذا المكان يمكن التغلب عليه بطريقة أو بأخرى، فكثير من الجمعيات و الأندية على استعداد لأن تستقبل نشاط موسيقي في صالاتها الرياضية أو الخطابية  و إن كانت النتائج  الصوتية غير ليست بالمستوى المطلوب في نهاية الأمر،  و لكن ما هو  الأهم هو توفير مكان للتدريب وهنا تكمن المشكلة الأكبر، فحتى تلك الجمعيات و النوادي  ليست على استعداد أن تشغل قاعاتها لفترة ولو وجيزة بنشاط لا يمثلها و هو في ذلك غير ملامين،إن هذه المشلكة تتعرض لها حتى فرقة البحرين للموسيقى التي هي تحت مظلة وزارة الإعلام، ففي بعض الأحيان التي تتطلب تكثيف التدريبات ، يضطر أفراد الفرقة  للتنقل بين عدد من الأماكن في أسبوع واحد و تبقى الفرقة أفضل حظاً و حالاً من الآخرين، فهي في نهاية المطاف يتوفر لها مكان للتدريب و لكن ذوي الحظ السيئ (أمثالي) ممن يحتاجون مكان للتدريب تتوافر فيه آلة بيانو  على سبيل المثال،و هذه المشكلة أعاني منها على الدوام ،و لكن بصراحة القول يبدو أن رغبة المسئولين لها الدور الأكبر في حل أي موضوع كهذا بشكل أو بآخر، فأذكر قبل عدة أعوام كنت بصدد الإعداد لأمسية موسيقية بمصاحبة العازفة البلغارية( تيانكا)، و كانت هذه الأمسية برعاية إدارة الثقافة و الفنون حيث كان الفنان أحمد الجميري يمسك بزمام الأمور في قسم الموسيقى، فعندما أشعرته بالأمر عمل على توفير هذا المكان الذي لا يمت بالإدارة بصلة مباشرة و كان مبنى الإدارة القديم بالعدلية حيث توجد آلة بيانو في احد الأستوديهات، على الرغم من التعقيدات التي تتطلب حصولي على تصريح للدخول لهذا المكان، أما قبل فترة وجيزة ومع اعتقادي أن وجود مكان تابع لإدارةالثقافة الفنون و يتبعها بشكل مباشر قد حل تلك المشكلة، إلا انه للأسف أصبح اعتقادي خاطئاً، فكنت بصدد أقامة أمسية قبل فترة عام و لقد اتفقت مع العازفة التي كانت تعمل في نفس المكان وهو (معهد البحرين للدراسات الموسيقية) ، على أقامة ذلك الحفل و تم اختيار الأعمال و الوقت و بقي مكان التدريب، حينها و جدت أن المكان الذي كنت أعتقد بأنه سوف يحتضن أنشطتنا ، مقفل أمامنا رغم كل المحاولات، و هو ما تسبب في إفشال مشروع الأمسية ؟               

 

  الزمان و المقصود فترة أقامة  الفعاليات الموسيقية، كما هو معروف فأن  أهم فعالية موسيقية تقام كل عام هو مهرجان البحرين الدولي للموسيقى ، الذي ينتظره الموسيقيون كما الجمهور كل عام، والموسيقيون في انتظارهم هذا لا يعلمونهل يوجد لهم دور في هذا الحدث أم لا؟ فهذا يرجع للظروف(الغير متوقعة) ، فلربما يجد مؤلف موسيقي وحيد نصيب في أن يشارك في إحدى عشر دورة من دوراته بمؤلفاته القيمة، و لكن مؤلف آخر مشاركته في دورتين هو أمر مبالغ فيه فيجب أن ينتظر دوره حتى يأتي بعد أن يكمل جميع المؤلفين المتبقيين أدوارهم ..؟  

   و دون هذا المهرجان لا يوجد أي نشاط يذكر و لا اعتقد أنه توجد رغبة في ذلك ، و السبب يوضحه ما ذكرناه في النقطة السابقة،أمر آخر أن من المنطق السائد هو أنه لو رغب أحد الموسيقيين أو مجموعة من الموسيقيين إقامة أمسية موسيقية برعاية و دعم رسمي فيجب أن يبادروا بطلب من قسم الموسيقى بإدارة الثقافة لذلك، و ليس عليهم أن يتوقعوا الكثير  و لكن هل هذا الوضع هو الصحيح ، أليس من المفترض أن يتم وضع جدول زمني لمثل هذه الأمسيات، بحيث أن تتوزع على مدار العام ، و يتم دعوة الموسيقيين من عازفين و مؤلفين لتقديم برامجهم ؟ ومن ثم توفير لهم ما يلزم لضمان نجاح هذه الأمسيات .

 

 الرعاية و الاهتمام : الموسيقي مثله مثل أي فنان آخر يحتاج للدعم المادي و المعنوي، و لكن للأسف  فإن الموسيقين في البحرين فقيروا الحظ في كلا الجانبين، فإن جئنا لموضوع الدعم المادي فيكفي أن نتطرق للنظرة السائدة لدى نخبة من الجمهور و الذين يبدون رغبة في الحضور و الاستماع للموسيقى،و لكنهم اعتادوا حضور الحفلات الموسيقية بشكلٍ مجاني، و كأنها معادلة (موسيقى جادة = حضور مجاني )، و أن وجد حفل موسيقي برسم دخول ( حتى لو كان رمزيا)   فلن تجدهم من الحاضرين، و أذكر في هذا السياق إني دُعِيتُ ذات مرةٍ لتقديم فقرة موسيقية في إحدى الحفلات الخاصة بواحدة من الجمعيات الأهلية و و حسب رغبة منظمي الحفل أرادوا أن يأتوا بشيء من التنوع و التمييز و لكن على حساب من؟،اخبرني أحد المنظمين بأنه حفل  إجتماعي ترفيهي منوع  و سوف تكون هنالك فرقة غناء و طرب و لكنهم يودون أن يجعلوا ذلك الحفل متميزاً بإضافة فقرة موسيقى كلاسيكية، و لقد تقبلوا شرطي  متفهمين بأن يضمنوا الهدوء أثناء فقرتي ، فلا أكل و لا أحاديث جانبية  أثناء عرضي  وهو ما تتطلبه  الموسيقى التي سوف أقدمها، و بالفعل بدأت الأعداد لهذه المشاركة و لكني في لحظة ما تساءلت و أنا امضي الوقت في الأعداد و التدريب : ((الفرقة الغنائية التي سوف تشارك معني في نفس الحفل سوف تتقاضى أتعاب مجهودها، ترى ألا استحق أنا كذلك ؟، فها أنا أبذل مجهودي في التدريب و امضي  الوقت لأجل ذلك ..)) ، و هو ما دفعني لأن أطرح هذا التساؤل على منظم الحفل، الذي أجابني : (( لم نضع في حسباننا أن ندفع لهذه الفقرة ...!!))   .

 

  الدعم  المعنوي وهو الشيء الأهم و أن كان جزء من ما ذكرته في التكريم المادي يطغى  على هذا الجانب ، فإن مجرد حضور الجمهور لحفل موسيقي يرفع من معنويات الفنان، فعندما يشعر الفنان أن  تذكرة الدخول الرمزية كانت عائق بينه و بين من يعتقد أنه يقدره فإنه بلا شك بعد ذلك   سيدرك بأن ذلك التقدير غير حقيقي.    

 

  و مما هو مؤسف في هذا الجانب هو أن من هم مفترض أكثر إدركاً و تقديراً للموسيقيين  ليسوا كذلك، فمنذ أعوام خلت جرت العادة لدى إدارة مهرجان للموسيقى على تكريم المشاركين في حفل نهاية المهرجان،و لكن يبدو أنهم  أدركوا لاحقاً بأن هذا الأمر لا يستحق كل هذا الجهد و الوقت فمنذ ثلاثة أعوام على ألأقل أصبح هذا التكريم  المتمثل في ميدالية أو درع و شهادة يتم بالخفاء و بطريقة أبعد ما أن تتسم بالتقدير،فأصبح على كل مشارك أن يسعى هو بنفسه للحصول على هذا التكريم؟!.   

 

 التفرغ : و كما ذكرت مسبقاً لا اعتقد بأنه يوجد في البحرين موسيقي محترف من الدراسيين و المتخصصين و لكن بالطبع يوجد الكثير منهم وهو الذين يشتغلون في الساحة الغنائية .

  كي تكون موسيقي محترف  و متخصص ، فعليك أن تتوجه و بشكل مباشر في تخصشصك الذي درست و بذلت كل ما في وسعك من جهد و مشقة للحصول على درجات و مستويات عالية، و لأن هذا الوضع غير موجود و في ظل هذه الظروف هو بعيد المنال، فترى الكثير من الموسيقيين وأن كانوا موظفين رسميين أو مدرسين للموسيقى، فهم أيضا بعيدين عن تخصصاتهم،و بسبب هذا الوضع و مع مرور الزمن تجد أن الموسيقى لم تعد تمثل لهم أي أهمية، فإن كان عازفاً فلم يعد الآن يملك آلتة الموسيقية، و إن كان مؤلفاً فهو لا يملك دفتر موسيقى يمكنه تدوين أفكاره الموسيقية التي غادرته بلا عودة .

 

 بعد كل هذا الأسباب ،و مع اتفاقنا مع أحمد جمعة ، بعدم وجود حركة موسيقية بالبحرين ، فمن هو الملام على هذا الأمر ؟

 

   لن يكون اللوم هو الدواء الشافي لهذا الحال ...فليس هذا مبتغانا .. ، و لكنني أحلم كما الكثيرمن أصدقائي الموسيقيين أن نرى ذلك اليوم الذي يتم فيه توظيف هذا الكم من العنصر البشري من الفنانين الموسيقيين في أماكنهم الصحيحة والاستفادة من مهاراتهم و إمكانياتهم، حينها و بالتأكيد سوف تشهد بلدنا حركة موسيقية حقيقية .    

 

 

 

الأربعاء 25 فبراير2004

bottom of page